سورة الحج - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحج)


        


لما انجرّ الكلام في خاتمة السورة المتقدمة إلى ذكر الإعادة وما قبلها وما بعدها، بدأ سبحانه في هذه السورة بذكر القيامة وأهوالها، حثاً على التقوى التي هي أنفع زاد فقال: {يَأَيُّهَا الناس اتقوا رَبَّكُمُ} أي احذروا عقابه بفعل ما أمركم به من الواجبات وترك ما نهاكم عنه من المحرمات، ولفظ الناس يشمل جميع المكلفين من الموجودين ومن سيوجد على ما تقرر في موضعه، وقد قدّمنا طرفاً من تحقيق ذلك في سورة البقرة، وجملة: {إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ} تعليل لما قبلها من الأمر بالتقوى، والزلزلة: شدّة الحركة، وأصلها من زلّ عن الموضع، أي زال عنه وتحرّك، وزلزل الله قدمه، أي: حركها، وتكرير الحرف يدل على تأكيد المعنى، وهو من إضافة المصدر إلى فاعله، وهي على هذا، الزلزلة التي هي أحد أشراط الساعة التي تكون في الدنيا قبل يوم القيامة، هذا قول الجمهور. وقيل: إنها تكون في النصف من شهر رمضان، ومن بعدها طلوع الشمس من مغربها. وقيل: إن المصدر هنا مضاف إلى الظرف، وهو الساعة، إجراء له مجرى المفعول، أو بتقدير (في) كما في قوله: {بَلْ مَكْرُ اليل والنهار} [سبأ: 33]. وهي المذكورة في قوله: {إِذَا زُلْزِلَتِ الأرض زِلْزَالَهَا} [الزلزلة: 1]. قيل: وفي التعبير عنها بالشيء إيذان بأن العقول قاصرة عن إدراك كنهها. {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} انتصاب الظرف بما بعده، والضمير يرجع إلى الزلزلة، أي وقت رؤيتكم لها، تذهل: كل ذات رضاع عن رضيعها وتغفل عنه. قال قطرب: تذهل تشتغل، وأنشد قول الشاعر:
ضرب يزيل الهام عن مقيله *** ويذهل الخليل عن خليله
وقيل: تنسى. وقيل: تلهو. وقيل: تسلو، وهذه معانيها متقاربة. قال المبرّد: إن {ما} فيما أرضعت بمعنى المصدر أي تذهل عن الإرضاع، قال: وهذا يدل على أن هذه الزلزلة في الدنيا، إذ ليس بعد القيامة حمل وإرضاع، إلا أن يقال: من ماتت حاملاً فتضع حملها للهول، ومن ماتت مرضعة بعثت كذلك، ويقال: هذا مثل كما يقال: {يَوْماً يَجْعَلُ الولدان شِيباً} [المزمل: 17]. وقيل: يكون مع النفخة الأولى، قال: ويحتمل أن تكون الساعة عبارة عن أهوال يوم القيامة، كما في قوله: {مَّسَّتْهُمُ البأساء والضراء وَزُلْزِلُواْ} [البقرة: 214]. ومعنى {وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا}: أنها تلقي جنينها لغير تمام من شدّة الهول، كما أن المرضعة تترك ولدها بغير رضاع لذلك {وَتَرَى الناس سكارى} قرأ الجمهور بفتح التاء والراء خطاب لكل واحد، أي يراهم الرائي كأنهم سكارى {وَمَا هُم بسكارى} حقيقة، قرأ حمزة والكسائي: {سكرى} بغير ألف، وقرأ الباقون بإثباتها وهما لغتان يجمع بهما سكران، مثل كسلى وكسالى، ولما نفى سبحانه عنهم السكر أوضح السبب الذي لأجله شابهوا السكارى فقال: {ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} فبسبب هذه الشدة والهول العظيم طاشت عقولهم، واضطربت أفهامهم فصاروا كالسكارى، بجامع سلب كمال التمييز وصحة الإدراك.
وقرئ: {وترى} بضم التاء وفتح الراء مسنداً إلى المخاطب من أرأيتك أي: تظنهم سكارى. قال الفراء: ولهذه القراءة وجه جيد في العربية.
ثم لما أراد سبحانه أن يحتجّ على منكري البعث قدّم قبل ذلك مقدّمة تشمل أهل الجدال كلهم فقال: {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِى الله بِغَيْرِ عِلْمٍ} وقد تقدّم إعراب مثل هذا التركيب في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ} [البقرة: 8]. ومعنى {فِي الله}: في شأن الله وقدرته، ومحل {بِغَيْرِ عِلْمٍ} النصب على الحال. والمعنى: أنه يخاصم في قدرة الله، فيزعم أنه غير قادر على البعث بغير علم يعلمه، ولا حجة يدلي بها {وَيَتَّبِعْ} فيما يقوله ويتعاطاه ويحتجّ به ويجادل عنه {كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} أي متمرّد على الله وهو العاتي، سمي بذلك لخلّوه عن كل خير، والمراد: إبليس وجنوده، أو رؤساء الكفار الذين يدعون أشياعهم إلى الكفر.
وقال الواحدي: قال المفسرون: نزلت في النضر بن الحارث وكان كثير الجدال، وكان ينكر أن الله يقدر على إحياء الأموات. وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة.
{كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} أي كتب على الشيطان؛ وفاعل كتب: أنه من تولاه، والضمير للشأن، أي من اتخذه ولياً {فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ} أي: فشأن الشيطان أن يضله عن طريق الحقّ، فقوله أنه يضله جواب الشرط إن جعلت من شرطية أو خبر الموصول إن جعلت موصولة، فقد وصف الشيطان بوصفين: الأوّل أنه مريد، والثاني ما أفاده جملة كتب عليه إلخ، وجملة {وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السعير} معطوفة على جملة يضله أي: يحمله على مباشرة ما يصير به في عذاب السعير.
ثم ذكر سبحانه ما هو المقصود من الاحتجاج على الكفار بعد فراغه من تلك المقدّمة، فقال: {ياأيها الناس إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مّنَ البعث} قرأ الحسن: {البعث} بفتح العين وهي لغة، وقرأ الجمهور بالسكون، وشكهم يحتمل أن يكون في وقوعه أو في إمكانه. والمعنى: إن كنتم في شكّ من الإعادة فانظروا في مبدأ خلقكم، أي خلق أبيكم آدم، ليزول عنكم الريب، ويرتفع الشكّ وتدحض الشبهة الباطلة {فَإِنَّا خلقناكم مّن تُرَابٍ} في ضمن خلق أبيكم آدم {ثُمَّ} خلقناكم {مِن نُّطْفَةٍ} أي من منيّ، سمي نطفة لقلته، والنطفة: القليل من الماء.
وقد يقع على الكثير منه، والنطفة: القطرة، يقال: نطف ينطف، أي قطر. وليلة نطوف، أي دائمة القطر {ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ} والعلقة: الدم الجامد، والعلق: الدم العبيط، أي الطريّ أو المتجمد، وقيل: الشديد الحمرة.
والمراد: الدم الجامد المتكوّن من المنيّ {ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ} وهي القطعة من اللحم، قدر ما يمضغ الماضغ تتكوّن من العلقة {مُّخَلَّقَةٍ} بالجرّ صفة لمضغة، أي مستبينة الخلق ظاهرة التصوير {وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} أي: لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها. قال ابن الأعرابي: مخلقة يريد قد بدأ خلقه، وغير مخلقة: لم تصوّر. قال الأكثر: ما أكمل خلقه بنفخ الروح فيه فهو المخلقة وهو الذي ولد لتمام، وما سقط؛ كان غير مخلقة أي غير حيّ بإكمال خلقته بالروح. قال الفراء: مخلقة: تامّ الخلق، وغير مخلقة: السقط، ومنه قول الشاعر:
أفي غير المخلقة البكاء *** فأين الحزم ويحك والحياء
واللام في {لّنُبَيّنَ لَكُمْ} متعلق بخلقنا، أي خلقناكم على هذا النمط البديع لنبين لكم كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم {وَنُقِرُّ فِي الأرحام مَا نَشَاء} روى أبو حاتم عن أبي زيد عن المفضل عن عاصم أنه قرأ بنصب نقرّ عطفاً على نبين، وقرأ الجمهور: {تقر} بالرفع على الاستئناف، أي ونحن نقرّ. قال الزجاج: نقرّ بالرفع لا غير، لأنه ليس المعنى فعلنا ذلك لنقرّ في الأرحام ما نشاء. ومعنى الآية: ونثبت في الأرحام ما نشاء فلا يكون سقطاً {إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} وهو وقت الولادة، وقال ما نشاء، ولم يقل: من نشاء، لأنه يرجع إلى الحمل وهو جماد قبل أن ينفخ فيه الروح، وقرئ: {ليبين} {ويقرّ} و{يخرجكم} بالتحتية في الأفعال الثلاثة، وقرأ ابن أبي وثاب: {ما نشاء} بكسر النون {ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً} أي نخرجكم من بطون أمهاتكم طفلاً، أي أطفالاً، وإنما أفرده إرادة للجنس الشامل للواحد والمتعدد. قال الزجاج: طفلاً في معنى أطفالاً، ودلّ عليه ذكر الجماعة: يعني في: نخرجكم، والعرب كثيراً ما تطلق اسم الواحد على الجماعة، ومنه قول الشاعر:
يلحينني من حبها ويلمنني *** إن العواذل لسن لي بأمير
وقال المبرد: هو اسم يستعمل مصدراً كالرضا والعدل، فيقع على الواحد والجمع، قال الله سبحانه: {أَوِ الطفل الذين لَمْ يَظْهَرُواْ} [النور: 31]. قال ابن جرير: هو منصوب على التمييز كقوله: {فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْء مّنْهُ نَفْساً} [النساء: 4]. وفيه بعد، والظاهر انتصابه على الحال بالتأويل المذكور، والطفل يطلق على الصغير من وقت انفصاله إلى البلوغ {ثُمَّ لِتَبْلُغُواْ أَشُدَّكُمْ} قيل: هو علة لنخرجكم معطوف على علة أخرى مناسبة له، كأنه قيل: نخرجكم لتكبروا شيئاً فشيئاً ثم لتبلغوا إلى الأشدّ. وقيل: إن ثم زائدة والتقدير: لتبلغوا وقيل: إنه معطوف على نبين. والأشدّ هو: كمال العقل وكمال القوّة والتمييز. قيل: وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين.
وقد تقدم الكلام في هذا مستوفى في الأنعام {وَمِنكُمْ مَّن يتوفى} يعني: قبل بلوغ الأشدّ، وقرئ: {يتوفّى} مبنياً للفاعل.
وقرأ الجمهور: {يتوفى} مبنياً للمفعول {وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إلى أَرْذَلِ العمر} أي أخسه وأدونه، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل، ولهذا قال سبحانه: {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} أي شيئاً من الأشياء، أو شيئاً من العلم، والمعنى: أنه يصير من بعد أن كان ذا علم بالأشياء وفهم لها، لا علم له ولا فهم، ومثله قوله: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ * ثُمَّ رددناه أَسْفَلَ سافلين} [التين: 4، 5]، وقوله: {وَمَن نّعَمّرْهُ نُنَكّسْهُ فِى الخلق} [ياس: 68]. {وَتَرَى الأرض هَامِدَةً} هذه حجة أخرى على البعث، فإنه سبحانه احتج بإحياء الأرض بإنزال الماء على إحياء الأموات، والهامدة: اليابسة التي لا تنبت شيئاً، قال ابن قتيبة: أي ميتة يابسة كالنار إذا طفئت. وقيل: دارسة، والهمود: الدروس، ومنه قول الأعشى:
قالت قتيلة ما لجسمك شاحباً *** وأرى ثيابك باليات همودا
وقيل: هي التي ذهب عنها الندى. وقيل: هالكة، ومعاني هذه الأقوال متقاربة {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ} المراد بالماء هنا: المطر، ومعنى: اهتزّت: تحركت. والاهتزاز: شدّة الحركة، يقال: هززت الشيء فاهتزّ، أي حركته فتحرك، والمعنى: تحركت بالنبات؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة حقيقة، فسماه اهتزازاً مجازاً.
وقال المبرد: المعنى: اهتزّ نباتها فحذف المضاف. واهتزازه شدة حركته، والاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض. ومعنى ربت: ارتفعت، وقيل: انتفخت. والمعنى واحد، وأصله: الزيادة، يقال: ربا الشيء يربو ربواً: إذا زاد، ومنه الربا والربوة. وقرأ يزيد بن القعقاع وخالد بن إلياس: {وربأت} أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الرابية، وهو الذي يحفظ القوم على مكان مشرف يقال له: رابئ ورابئة وربيئة {وَأَنبَتَتْ} أي أخرجت {مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} أي من كلّ صنف حسن ولون مستحسن، والبهجة: الحسن.
وجملة: {ذلك بِأَنَّ الله هُوَ الحق} مستأنفة، لما ذكر افتقار الموجودات إليه سبحانه وتسخيرها على وفق إرادته واقتداره. قال بعد ذلك هذه المقالات، وهي إثبات أنه سبحانه الحق، وأنه المتفرد بإحياء الموتى، وأنه قادر على كل شيء من الأشياء، والمعنى: أنه المتفرد بهذه الأمور، وأنها من شأنه لا يدّعي غيره أنه يقدر على شيء منها، فدلّ سبحانه بهذا على أنه الحق الحقيقي الغني المطلق؛ وأن وجود كل موجود مستفاد منه، والحق هو الموجود الذي لا يتغير ولا يزول. وقيل: ذو الحقّ على عباده. وقيل: الحقّ في أفعاله. قال الزجاج: {ذلك} في موضع رفع، أي الأمر ما وصفه لكم وبيّن بأن الله هو الحق. قال: ويجوز أن يكون {ذلك} نصباً.
ثم أخبر سبحانه بأن {الساعة ءَاتِيَةٌ} أي في مستقبل الزمان، قيل: لا بدّ من إضمار فعل، أي ولتعلموا أن الساعة آتية {لاَ رَيْبَ فِيهَا} أي لا شك فيها ولا تردّد، وجملة: {لاَ رَيْبَ فِيهَا} خبر ثانٍ للساعة، أو في محل نصب على الحال.
ثم أخبر سبحانه عن البعث فقال: {وَأَنَّ الله يَبْعَثُ مَن فِي القبور} فيجازيهم بأعمالهم، إن خيراً فخير وإن شرّاً فشرّ، وأن ذلك كائن لا محالة.
وقد أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه من طرق عن الحسن وغيره عن عمران بن حصين قال: لما نزلت: {ياأيها الناس اتقوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ الساعة شَيْء عَظِيمٌ} إلى قوله: {ولكن عَذَابَ الله شَدِيدٌ} أنزلت عليه هذه وهو في سفر، فقال: «أتدرون أيّ يوم ذلك؟» قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: «ذلك يوم يقول الله لآدم ابعث بعث النار، قال: يا ربّ وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين إلى النار، وواحداً إلى الجنة»، فأنشأ المسلمون يبكون، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قاربوا وسدّدوا وأبشروا، فإنها لم تكن نبوّة قط إلا كان بين يديها جاهلية فتؤخذ العدّة من الجاهلية، فإن تمت وإلا كملت من المنافقين، وما مثلكم والأمم إلا كمثل الرقمة في ذراع الدابة، أو كالشامة في جنب البعير»، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة» فكبّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة» فكبّروا، ثم قال: «إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة» فكبّروا، قال: «ولا أدري قال الثلثين أم لا».
وأخرج الترمذي وصححه، وابن جرير وابن المنذر عن عمران بن حصين مرفوعاً نحوه، وقال في آخره: «اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده إنكم لمع خليقتين ما كانتا مع شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، ومن مات من بني آدم ومن بني إبليس»، فسري عن القوم بعض الذي يجدون، قال: «اعملوا وأبشروا، فوالذي نفس محمد بيده ما أنتم في الناس إلا كالشامة في جنب البعير، أو كالرقمة في ذراع الدابة».
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وابن حبان والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه.
وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن أنس مرفوعاً نحوه أيضاً.
وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكر نحوه، وفي آخره فقال: «من يأجوج ومأجوج ألف ومنكم واحد، وهل أنتم في الأمم إلا كالشعرة السوداء في الثور الأبيض، أو كالشعرة البيضاء في الثور الأسود»
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {كُتِبَ عَلَيْهِ} قال: كتب على الشيطان.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد مثله: {أَنَّهُ مَن تَوَلاَّهُ} قال: اتبعه.
وأخرج البخاري ومسلم وأهل السنن وغيرهم عن ابن مسعود قال: حدّثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد، فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها» والأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً.
وأخرج ابن أبي حاتم وصححه عن ابن عباس في قوله: {مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} قال: المخلقة ما كان حياً، وغير المخلقة ما كان سقطاً.
وروي نحو هذا عن جماعة من التابعين.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مِن كُلّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} قال: حسن.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن معاذ بن جبل قال: من علم أن الله عزّ وجلّ حق، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؛ دخل الجنة.


قوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله} أي في شأن الله، كقول من قال: إن الملائكة بنات الله، والمسيح ابن الله، وعزير ابن الله. قيل: نزلت في النضر بن الحارث. وقيل: في أبي جهل. وقيل: هي عامة لكل من يتصدى لإضلال الناس وإغوائهم، وعلى كل حال فالاعتبار بما يدلّ عليه اللفظ وإن كان السبب خاصاً. ومعنى اللفظ: ومن الناس فريق يجادل في الله، فيدخل في ذلك كل مجادل في ذات الله، أو صفاته أو شرائعه الواضحة، و{بِغَيْرِ عِلْمٍ} في محل نصب على الحال، أي كائناً بغير علم. قيل: والمراد بالعلم هو: العلم الضروري، وبالهدى هو العلم النظري الاستدلالي. والأولى حمل العلم على العموم، وحمل الهدى على معناه اللغوي، وهو: الإرشاد. والمراد بالكتاب المنير هو: القرآن، والمنير: النير البين الحجة الواضح البرهان، وهو وإن دخل تحت قوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} فإفراده بالذكر كإفراد جبريل بالذكر عند ذكر الملائكة، وذلك لكونه الفرد الكامل الفائق على غيره من أفراد العلم. وأما من حمل العلم على الضروري والهدى على الاستدلالي، فقد حمل الكتاب هنا على الدليل السمعي، فتكون الآية متضمنة لنفي الدليل العقلي ضرورياً كان أو استدلالياً، ومتضمنة لنفي الدليل النقلي بأقسامه، وما ذكرناه أولى. قيل: والمراد بهذا المجادل في هذه الآية هو المجادل في الآية الأولى، أعني قوله: {وَمِنَ الناس مَن يجادل فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شيطان مَّرِيدٍ} [الحج: 3] وبذلك قال كثير من المفسرين. والتكرير للمبالغة في الذمّ كما تقول للرجل تذمه وتوبخه: أنت فعلت هذا أنت فعلت هذا؟ ويجوز أن يكون التكرير لكونه وصفه في كل آية بزيادة على ما وصفه به في الآية الأخرى، فكأنه قال: ومن الناس من يجادل في الله ويتبع كلّ شيطان مريد بغير علم وَلاَ هُدًى وَلاَ كتاب مُّنِيرٍ ليضل عن سبيل الله. وقيل: الآية الأولى في المقلدين اسم فاعل. والثانية في المقلدين اسم مفعول. ولا وجه لهذا كما أنه لا وجه لقول من قال: إن الآية الأولى خاصة بإضلال المتبوعين لتابعيهم، والثانية عامة في كلّ إضلال وجدال.
وانتصاب {ثَانِيَ عِطْفِهِ} على الحال من فاعل يجادل، والعطف: الجانب، وعطفا الرجل: جانباه من يمين وشمال، وفي تفسيره وجهان: الأوّل: أن المراد به من يلوي عنقه مرحاً وتكبراً، ذكر معناه الزجاج. قال: وهذا يوصف به المتكبر. والمعنى: ومن الناس من يجادل في الله متكبراً. قال المبرد: العطف ما انثنى من العنق. والوجه الثاني: أن المراد بقوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ}: الإعراض، أي معرضاً عن الذكر، كذا قال الفراء والمفضل وغيرهما كقوله تعالى: {ولى مُسْتَكْبِراً كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا} [لقمان: 7]، وقوله: {لَوَّوْاْ رُؤُوسَهُمْ} [المنافقون: 5]، وقوله: {أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} [الإسراء: 83]، واللام في {لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ الله} متعلق ب {يجادل} أي إن غرضه هو الإضلال عن السبيل وإن لم يعترف بذلك. وقرئ: {ليضلّ} بفتح الياء على أن تكون اللام هي لام العاقبة كأنه جعل ضلاله غاية لجداله، وجملة: {لَهُ فِي الدنيا خِزْيٌ} مستأنفة مبينة لما يحصل له بسبب جداله من العقوبة. والخزي: الذل، وذلك بما يناله من العقوبة في الدنيا من العذاب المعجل وسوء الذكر على ألسن الناس. وقيل: الخزي الدنيوي هو: القتل، كما وقع في يوم بدر {وَنُذِيقُهُ يَوْمَ القيامة عَذَابَ الحريق} أي عذاب النار المحرقة.
والإشارة بقوله: {ذلك} إلى ما تقدّم من العذاب الدنيوي والأخروي، وهو مبتدأ خبره: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ}، والباء للسببية، أي ذلك العذاب النازل بك بسبب ما قدّمته يداك من الكفر والمعاصي، وعبر باليد عن جملة البدن لكون مباشرة المعاصي تكون بها في الغالب، ومحل أن وما بعدها في قوله: {وَأَنَّ الله لَيْسَ بظلام لّلْعَبِيدِ} الرفع على أنها خبر مبتدأ محذوف، أي والأمر أنه سبحانه لا يعذب عباده بغير ذنب.
وقد مرّ الكلام على هذه الآية في آخر آل عمران فلا نعيده.
{وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} هذا بيان لشقاق أهل الشقاق. قال الواحدي: قال أكثر المفسرين: الحرف: الشك، وأصله من حرف الشيء وهو طرفه، مثل حرف الجبل والحائط، فإن القائم عليه غير مستقرّ، والذي يعبد الله على حرف قلق في دينه على غير ثبات وطمأنينة كالذي هو على حرف الجبل ونحوه يضطرب اضطراباً ويضعف قيامه فقيل للشاكّ في دينه: إنه يعبد الله على حرف؛ لأنه على غير يقين من وعده ووعيده، بخلاف المؤمن؛ لأنه يعبده على يقين وبصيرة فلم يكن على حرف. وقيل: الحرف: الشرط، أي ومن الناس من يعبد الله على شرط، والشرط هو قوله: {فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطمأن بِهِ} أي خير دنيوي من رخاء وعافية وخصب وكثرة مال، ومعنى {اطمأنّ به}: ثبت على دينه واستمرّ على عبادته، أو اطمأن قلبه بذلك الخير الذي أصابه {وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ} أي شيء يفتتن به من مكروه يصيبه في أهله أو ماله أو نفسه {انقلب على وَجْهِهِ} أي ارتدّ ورجع إلى الوجه الذي كان عليه من الكفر، ثم بيّن حاله بعد انقلابه على وجهه فقال: {خَسِرَ الدنيا والآخرة} أي ذهبا منه وفقدهما، فلا حظ له في الدنيا من الغنيمة والثناء الحسن، ولا في الآخرة من الأجر وما أعدّه الله للصالحين من عباده. وقرأ مجاهد، وحميد بن قيس، والأعرج، والزهري، وابن أبي إسحاق: {خاسرا الدنيا والآخرة} على صيغة اسم الفاعل منصوباً على الحال. وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف.
والإشارة بقوله: {ذلك} إلى خسران الدنيا والآخرة وهو مبتدأ وخبره {هُوَ الخسران المبين} أي الواضح الظاهر الذي لا خسران مثله {يَدْعُو مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنفَعُهُ} أي هذا الذي انقلب على وجهه ورجع إلى الكفر {يدعو من دون الله} أي يعبد متجاوزاً عبادة الله إلى عبادة الأصنام {ما لا يضرّه} إن ترك عبادته، {ولا ينفعه} إن عبده لكون ذلك المعبود جماداً لا يقدر على ضرّ ولا نفع، والإشارة بقوله: {ذلك} إلى الدعاء المفهوم من الفعل وهو يدعو، واسم الإشارة مبتدأ وخبره: {هُوَ الضلال البعيد} أي عن الحق والرشد، مستعار من ضلال من سلك غير الطريق فصار بضلاله بعيداً عنها. قال الفراء: البعيد: الطويل.
{يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} يدعو بمعنى: يقول، والجملة مقرّرة لما قبلها من كون ذلك الدعاء ضلالاً بعيداً. والأصنام لا نفع فيها بحال من الأحوال، بل هي ضرر بحت لمن يعبدها؛ لأنه دخل النار بسبب عبادتها. وإيراد صيغة التفضيل مع عدم النفع بالمرّة للمبالغة في تقبيح حال ذلك الداعي، أو ذلك من باب {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضلال مُّبِينٍ} [سبأ: 24] واللام هي: الموطئة للقسم، ومن موصولة أو موصوفة، و{ضرّه} مبتدأ خبره أقرب، والجملة صلة الموصول. وجملة: {لَبِئْسَ المولى وَلَبِئْسَ العشير} جواب القسم. والمعنى: أنه يقول ذلك الكافر يوم القيامة لمعبوده الذي ضرّه أقرب من نفعه: لبئس المولى ولبئس العشير. والمولى الناصر، والعشير: الصاحب، ومثل ما في هذه الآية قول عنترة:
يدعون عنتر والرماح كأنها *** أشطان بئر في لبان الأدهم
وقال الزجاج: يجوز أن يكون {يدعو} في موضع الحال، وفيه هاء محذوفة، أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه، وعلى هذا يوقف على {يدعو}، ويكون قوله: {لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ} كلاماً مستأنفاً مرفوعاً بالابتداء، وخبره {لبئس المولى}. قال: وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أوّل الكلام.
وقال الزجاج والفراء: يجوز أن يكون {يدعو} مكررة على ما قبلها على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء، أي يدعو ما لا يضرّه ولا ينفعه يدعو، مثل ضربت زيداً ضربت.
وقال الفراء والكسائي والزجاج: معنى الكلام القسم، واللام مقدّمة على موضعها، والتقدير: يدعو من لضرّه أقرب من نفعه، فمن في موضع نصب ب {يدعو}، واللام جواب القسم و{ضرّه} مبتدأ، و{أقرب} خبره، ومن التصرف في اللام بالتقديم والتأخير قول الشاعر:
خالي لأنت ومن جرير خاله *** ينل العلاء ويكرم الأخوالا
أي لخالي أنت. قال النحاس: وحكى لنا علي بن سليمان عن محمد بن يزيد قال: في الكلام حذف، والمعنى: يدعو لمن ضرّه أقرب من نفعه إلها. قال النحاس: وأحسب هذا القول غلطاً عن محمد بن يزيد، ولعل وجهه أن ما قبل اللام هذه لا يعمل فيما بعدها.
وقال الفراء أيضاً والقفال اللام صلة، أي زائدة، والمعنى: يدعو من ضرّه أقرب من نفعه، أي يعبده، وهكذا في قراءة عبد الله بن مسعود بحذف اللام، وتكون اللام في: {لبئس المولى} وفي: {لبئس العشير} على هذا موطئة للقسم.
{إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار} لما فرغ من ذكر حال المشركين، ومن يعبد الله على حرف ذكر حال المؤمنين في الآخرة، وأخبر أنه يدخلهم هذه الجنات المتصفة بهذه الصفة، وقد تقدّم الكلام في جري الأنهار من تحت الجنات، وبيّنا أنه إن أريد بها الأشجار المتكاثفة الساترة لما تحتها، فجريان الأنهار من تحتها ظاهر؛ وإن أريد بها الأرض فلا بدّ من تقدير مضاف، أي من تحت أشجارها {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} هذه الجملة تعليل لما قبلها، أي يفعل ما يريده من الأفعال {لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}. فيثيب من يشاء ويعذب من يشاء.
{مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله فِى الدنيا والآخرة} قال النحاس: من أحسن ما قيل في هذه الآية أن المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم وأنه يتهيأ له أن يقطع النصر الذي أوتيه {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} أي فليطلب حيلة يصل بها إلى السماء {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ثم ليقطع النصر إن تهيأ له {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ} وحيلته {مَا يَغِيظُ} من نصر النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقيل: المعنى: من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه وسلم حتى يظهره على الدين كله فليمت غيظاً، ثم فسره بقوله: {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} أي فليشدد حبلاً في سقف بيته {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} أي ثم ليمد الحبل حتى ينقطع فيموت مختنقاً، والمعنى: فليختنق غيظاً حتى يموت، فإن الله ناصره ومظهره، ولا ينفعه غيظه، ومعنى {فلينظر هل يذهبن كيده} أي صنيعه وحيلته ما يغيظ، أي غيظه، و{ما} مصدرية. وقيل: إن الضمير في: {ينصره} يعود إلى من، والمعنى: من كان يظنّ أن الله لا يرزقه فليقتل نفسه، وبه قال أبو عبيدة. وقيل: إن الضمير يعود إلى الدين، أي من كان يظنّ أن لن ينصر الله دينه. وقرأ الكوفيون بإسكان اللام في {ثم ليقطع}. قال النحاس: وهذه القراءة بعيدة من العربية.
{وكذلك أنزلناه ءايات بينات} أي: مثل ذلك الإنزال البديع أنزلناه آيات واضحات ظاهرة الدلالة على مدلولاتها {وَأَنَّ الله يَهْدِى مَن يُرِيدُ} هدايته ابتداء أو زيادة فيها لمن كان مهدياً من قبل.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} قال: لاوي عنقه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس والسديّ وابن يزيد وابن جريج أنه المعرض.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {ثَانِيَ عِطْفِهِ} قال: أنزلت في النضر بن الحارث.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: هو رجل من بني عبد الدار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه {ثَانِيَ عِطْفِهِ} قال: مستكبراً في نفسه.
وأخرج البخاري وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ} قال: كان الرجل يقدم المدينة، فإن ولدت امرأته غلاماً وأنتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد امرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء.
وأخرج ابن أبي حاتم، وابن مردويه عنه بسند صحيح قال: كان ناس من الأعراب يأتون النبيّ صلى الله عليه وسلم يسلمون، فإذا رجعوا إلى بلادهم، فإن وجدوا عام غيث وعام خصب وعام ولاد حسن قالوا: إن ديننا هذا لصالح فتمسكوا به، وإن وجدوا عام جدب وعام ولاد سوء وعام قحط، قالوا: ما في ديننا هذا خير، فأنزل الله: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه أيضاً نحوه، وفي إسناده العوفي.
وأخرج ابن مردويه أيضاً من طريقه أيضاً عن أبي سعيد قال: أسلم رجل من اليهود فذهب بصره وماله وولده فتشاءم بالإسلام، فأتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: أقلني أقلني، قال: «إن الإسلام لا يقال»، فقال: لم أصب من ديني هذا خيراً، ذهب بصري ومالي ومات ولدي، فقال: «يا يهوديّ، الإسلام يسبك الرجال كما تسبك النار خبث الحديد والذهب والفضة»، فنزلت: {وَمِنَ الناس مَن يَعْبُدُ الله على حَرْفٍ}.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} قال: من كان يظنّ أن لن ينصر الله محمداً في الدنيا والآخرة {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ} قال: فليربط بحبل {إِلَى السماء} قال: إلى سماء بيته السقف {ثُمَّ لْيَقْطَعْ} قال: ثم يختنق به حتى يموت.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عنه قال: {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ الله} يقول: أن لن يرزقه الله {فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السماء} فليأخذ حبلاً فليربطه في سماء بيته فليختنق به {فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} قال: فلينظر هل ينفعه ذلك أو يأتيه برزق.


قوله: {إِنَّ الذين ءامَنُواْ} أي بالله وبرسوله، أو بما ذكر من الآيات البينات {والذين هَادُواْ} هم اليهود المنتسبون إلى ملة موسى {والصابئين} قوم يعبدون النجوم. وقيل: هم من جنس النصارى وليس ذلك بصحيح بل هم فرقة معروفة لا ترجع إلى ملة من الملل المنتسبة إلى الأنبياء {والنصارى} هم المنتسبون إلى ملة عيسى {والمجوس} هم الذين يعبدون النار، ويقولون: إن للعالم أصلين: النور والظلمة. وقيل: هم قوم يعبدون الشمس والقمر، وقيل: هم قوم يستعملون النجاسات. وقيل: هم قوم من النصارى اعتزلوهم ولبسوا المسوح. وقيل: إنهم أخذوا بعض دين اليهود وبعض دين النصارى {والذين أَشْرَكُواْ} الذين يعبدون الأصنام، وقد مضى تحقيق هذا في البقرة، ولكنه سبحانه قدّم هنالك النصارى على الصابئين، وأخّرهم عنهم هنا. فقيل: وجه تقديم النصارى هنالك: أنهم أهل كتاب دون الصابئين، ووجه تقديم الصابئين هنا: أن زمنهم متقدّم على زمن النصارى، وجملة: {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ القيامة} في محل رفع على أنها خبر لإنّ المتقدّمة. ومعنى الفصل: أنه سبحانه يقضي بينهم فيدخل المؤمنين منهم الجنة والكافرين منهم النار. وقيل: الفصل هو أن يميز المحقّ من المبطل بعلامة يعرف بها كل واحد منهما، وجملة: {إِنَّ الله على كُلّ شَيْء شَهِيدٌ} تعليل لما قبلها، أي أنه سبحانه على كل شيء من أفعال خلقه وأقوالهم شهيد لا يعزب عنه شيء منها، وأنكر الفراء أن تكون جملة {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} خبراً لإن المتقدّمة.
وقال لا يجوز في الكلام: إن زيداً إن أخاه منطلق، وردّ الزجاج ما قاله الفراء، وأنكره وأنكر ما جعله مماثلاً للآية، ولا شك في جواز قولك: إن زيداً إن الخير عنده، وإن زيداً إنه منطلق، ونحو ذلك.
{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السموات وَمَن فِي الارض} الرؤية هنا هي القلبية لا البصرية، أي ألم تعلم. والخطاب لكل من يصلح له، وهو من تتأتى منه الرؤية، والمراد بالسجود هنا هو: الانقياد الكامل، لا سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء، سواء جعلت كلمة من خاصة بالعقلاء، أو عامة لهم ولغيرهم، ولهذا عطف {الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب} على من، فإن ذلك يفيد أن السجود هو الانقياد لا الطاعة الخاصة بالعقلاء، وإنما أفرد هذه الأمور بالذكر مع كونها داخلة تحت من، على تقدير جعلها عامة لكون قيام السجود بها مستبعداً في العادة، وارتفاع {كَثِيرٍ مّنَ الناس} بفعل مضمر يدل عليه المذكور، أي ويسجد له كثير من الناس. وقيل: مرتفع على الابتداء وخبره محذوف وتقديره: وكثير من الناس يستحق الثواب، والأوّل أظهر.
وإنما لم يرتفع بالعطف على من، لأن سجود هؤلاء الكثير من الناس هو سجود الطاعة الخاصة بالعقلاء، والمراد بالسجود المتقدّم هو: الانقياد، فلو ارتفع بالعطف على من لكان في ذلك جمع بين معنيين مختلفين في لفظ واحد. وأنت خبير بأنه لا ملجئ إلى هذا بعد حمل السجود على الانقياد، ولا شك أنه يصح أن يراد من سجود كثير من الناس هو انقيادهم لا نفس السجود الخاص، فارتفاعه على العطف لا بأس به، وإن أبى ذلك صاحب الكشاف ومتابعوه، وأما قوله: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العذاب} فقال الكسائي والفراء: إنه مرتفع بالابتداء وخبره ما بعده. وقيل: هو معطوف على كثير الأوّل، ويكون المعنى: وكثير من الناس يسجد وكثير منهم يأبى ذلك، وقيل: المعنى وكثير من الناس في الجنة، وكثير حق عليه العذاب هكذا حكاه ابن الأنباري {وَمَن يُهِنِ الله فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ} أي من أهانه الله بأن جعله كافراً شقياً، فما له من مكرم يكرمه فيصير سعيداً عزيزاً.
وحكى الأخفش والكسائي والفراء أن المعنى: ومن يهن الله فما له من مكرم، أي إكرام {إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يَشَاء} من الأشياء التي من جملتها ما تقدّم ذكره من الشقاوة والسعادة والإكرام والإهانة.
{هذان خَصْمَانِ} الخصمان أحدهما أنجس الفرق: اليهود والنصارى والصابئون والمجوس والذين أشركوا، والخصم الآخر: المسلمون، فهما فريقان مختصمان. قاله الفراء وغيره. وقيل: المراد بالخصمين الجنة والنار. قالت الجنة: خلقني لرحمته، وقالت النار: خلقني لعقوبته. وقيل: المراد بالخصمين: هم الذين برزوا يوم بدر، فمن المؤمنين حمزة وعليّ وعبيدة، ومن الكافرين: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.
وقد كان أبو ذرّ رضي الله عنه يقسم أن هذه الآية نزلت في هؤلاء المتبارزين كما ثبت عنه في الصحيح، وقال بمثل هذا جماعة من الصحابة، وهم أعرف من غيرهم بأسباب النزول.
وقد ثبت في الصحيح أيضاً عن عليّ أنه قال: فينا نزلت هذه الآية. وقرأ ابن كثير {هذان} بتشديد النون، وقال سبحانه: {اختصموا} ولم يقل: اختصما. قال الفراء: لأنهم جمع، ولو قال اختصما لجاز، ومعنى {فِي رَبّهِمْ} في شأن ربهم، أي في دينه، أو في ذاته، أو في صفاته، أو في شريعته لعباده، أو في جميع ذلك.
ثم فصل سبحانه ما أجمله في قوله: {يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} فقال: {فالذين كَفَرُواْ قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} قال الأزهري: أي سوّيت وجعلت لبوساً لهم، شبهت النار بالثياب؛ لأنها مشتملة عليهم كاشتمال الثياب، وعبر بالماضي عن المستقبل تنبيهاً على تحقق وقوعه. وقيل: إن هذه الثياب من نحاس قد أذيب فصار كالنار، وهي السرابيل المذكورة في آية أخرى. وقيل: المعنى في الآية: أحاطت النار بهم. وقرئ: {قُطّعَتْ} بالتخفيف، ثم قال سبحانه: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} والحميم هو: الماء الحار المغلي بنار جهنم، والجملة مستأنفة أو هي خبر ثانٍ للموصول {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} الصهر: الإذابة، والصهارة: ما ذاب منه، يقال: صهرت الشيء فانصهر، أي أذبته فذاب فهو صهير، والمعنى: أنه يذاب بذلك الحميم ما في بطونهم من الأمعاء والأحشاء {والجلود} معطوفة على ما، أي ويصهر به الجلود والجملة في محل نصب على الحال.
وقيل: إن الجلود لا تذاب، بل تحرق، فيقدّر فعل يناسب ذلك، ويقال: وتحرق به الجلود كما في قول الشاعر:
علفتها تبناً وماءً بارداً ***
أي وسقيتها ماء، ولا يخفى أنه لا ملجئ لهذا، فإن الحميم إذا كان يذيب ما في البطون فإذابته للجلد الظاهر بالأولى. {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ}: المقامع جمع مقمعة ومقمع، قمعته: ضربته بالمقمعة، وهي قطعة من حديد. والمعنى: لهم مقامع من حديد يضربون بها، أي للكفرة، وسميت المقامع مقامع؛ لأنها تقمع المضروب، أي تذلله. قال ابن السكيت: أقمعت الرجل عني إقماعاً: إذا اطلع عليك فرددته عنك {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا} أي من النار {أُعِيدُواْ فِيهَا} أي في النار بالضرب بالمقامع، و{مِنْ غَمّ} بدل من الضمير في منها بإعادة الجارّ أو مفعول له، أي لأجل غمّ شديد من غموم النار {وَذُوقُواْ عَذَابَ الحريق} هو بتقدير القول، أي أعيدوا فيها؛ وقيل لهم: ذوقوا عذاب الحريق، أي العذاب المحرق، وأصل الحريق الاسم من الاحتراق، تحرق الشيء بالنار واحترق حرقة واحتراقاً، والذوق مماسة يحصل معها إدراك الطعم، وهو هنا توسع، والمراد به إدراك الألم. قال الزجاج: وهذا لأحد الخصمين.
وقال في الخصم الآخر وهم المؤمنون: {إِنَّ الله يُدْخِلُ الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جنات تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنهار} فبيّن سبحانه حال المؤمنين بعد بيانه لحال الكافرين.
ثم بيّن الله سبحانه بعض ما أعده لهم من النعيم بعد دخولهم الجنة فقال: {يُحَلَّوْنَ فِيهَا} قرأ الجمهور {يحلون} بالتشديد والبناء للمفعول، وقرئ مخففاً، أي يحليهم الله أو الملائكة بأمره. و{من} في قوله: {مِنْ أَسَاوِرَ} للتبعيض، أي يحلون بعض أساور، أو للبيان، أو زائدة، و{من} في {مّن ذَهَبٍ} للبيان، والأساور: جمع أسورة والأسورة: جمع سوار. وفي السوار لغتان: كسر السين وضمها، وفيه لغة ثالثة، وهي أسوار. قرأ نافع وابن كثير وعاصم وشيبة {ولؤلؤاً} بالنصب عطف على محل {أساور} أي ويحلون لؤلؤاً، أو بفعل مقدّر ينصبه، وهكذا قرأ بالنصب يعقوب والجحدري وعيسى بن عمر، وهذه القراءة هي الموافقة لرسم المصحف فإن هذا الحرف مكتوب فيه بالألف، وقرأ الباقون بالجرّ عطفاً على {أساور} أي يحلون من أساور ومن لؤلؤ، واللؤلؤ: ما يستخرج من البحر من جوف الصدف.
قال القشيري: والمراد ترصيع السوار باللؤلؤ، ولا يبعد أن يكون في الجنة سوار من لؤلؤ مصمت كما أن فيها أساور من ذهب {وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ} أي جميع ما يلبسونه حرير كما تفيده هذه الإضافة، ويجوز أن يراد أن هذا النوع من الملبوس الذي كان محرّماً عليهم في الدنيا حلال لهم في الآخرة، وأنه من جملة ما يلبسونه فيها، ففيها ما تشتهيه الأنفس، وكل واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه وينال ما يريده.
{وَهُدُواْ إِلَى الطيب مِنَ القول} أي أرشدوا إليه، قيل: هو لا إله إلا الله. وقيل: الحمد لله. وقيل: القرآن. وقيل: هو ما يأتيهم من الله سبحانه من البشارات.
وقد ورد في القرآن ما يدلّ على هذا القول المجمل هنا، وهو قوله سبحانه: {الحمد للَّهِ الذي صَدَقَنَا وَعْدَهُ} [الزمر: 74]، {الحمد لِلَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} [الأعراف: 43]، {الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن} [فاطر: 34]. ومعنى {وَهُدُواْ إلى صراط الحميد}: أنهم أرشدوا إلى الصراط المحمود وهو طريق الجنة، أو صراط الله الذي هو دينه القويم، وهو الإسلام.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {والصابئين} قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ويصلون القبلة، ويقرؤون الزبور {والمجوس} عبدة الشمس والقمر والنيران، {والذين أَشْرَكُواْ} عبدة الأوثان {إِنَّ الله يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ} قال: الأديان ستة؛ فخمسة للشيطان، ودين الله عزّ وجلّ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في الآية قال: فصل قضاءه بينهم فجعل الخمسة مشتركة وجعل هذه الأمة واحدة.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: الذين هادوا: اليهود، والصابئون: ليس لهم كتاب، والمجوس: أصحاب الأصنام، والمشركون: نصارى العرب.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي ذرّ أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية: {هذان خَصْمَانِ} الآية نزلت في الثلاثة والثلاثة الذين بارزوا يوم بدر، وهم: حمزة بن عبد المطلب وعبيدة بن الحارث وعليّ بن أبي طالب، وعتبة، وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة، قال عليّ: وأنا أوّل من يجثو في الخصومة على ركبتيه بين يدي الله يوم القيامة.
وأخرجه البخاري وغيره من حديث عليّ.
وأخرجه ابن مردويه عن ابن عباس بنحوه، وهكذا روي عن جماعة من التابعين.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {قُطّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مّن نَّارِ} قال: من نحاس، وليس من الآنية شيء إذا حمي أشدّ حرّاً منه، وفي قوله: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} قال: النحاس يذاب على رؤوسهم، وقوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِى بُطُونِهِمْ} قال: تسيل أمعاؤهم {والجلود} قال: تتناثر جلودهم.
وأخرج عبد بن حميد، والترمذي وصححه، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه عن أبي هريرة؛ أنه تلا هذه الآية: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحميم} فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحميم ليصب على رؤوسهم فينفذ الجمجمة حتى يخلص إلى جوفه، فيسلت ما في جوفه حتى يمرق من قدميه وهو الصهر، ثم يعاد كما كان».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ} قال: يمشون وأمعاءهم تتساقط وجلودهم. وفي قوله: {وَلَهُمْ مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ} قال: يضربون بها، فيقع كل عضو على حياله فيدعون بالويل والثبور.
وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يسقون ماء إذا دخل في بطونهم أذابها والجلود مع البطون.
وأخرج أحمد، وأبو يعلى وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في البعث والنشور عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو أن مقمعاً من حديد وضع في الأرض فاجتمع الثقلان ما أقلوه من الأرض، ولو ضرب الجبل بمقمع من حديد لتفتت ثم عاد كما كان».
وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه عن سلمان قال: النار سوداء مظلمة لا يضيء لهبها ولا جمرها، ثم قرأ: {كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواْ مِنْهَا مِنْ غَمّ أُعِيدُواْ فِيهَا}.
وفي الصحيحين وغيرهما عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» وفي الباب أحاديث.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَهُدُواْ إِلَى الطيب مِنَ القول} قال: ألهموا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: هدوا إلى الطيب من القول في الخصومة إذ قالوا: الله مولانا ولا مولى لكم.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن إسماعيل بن أبي خالد في الآية قال: القرآن {وَهُدُواْ إلى صراط الحميد} قال: الإسلام.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: الإسلام.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: لا إله إلا الله، والله أكبر، والحمد لله الذي قال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الكلم الطيب} [فاطر: 10].

1 | 2 | 3 | 4